من يقرأ
القرآن الكريم قراءة عميقة ودقيقة يلحظ أنه يشتمل على ثنائيات متلازمة قد تكون متناسقة من حيث الجوهر وقد لا
تكون ، حيث يذكر أمرين بشكل متتابع في أكثر من موضع، فقلما تجد " إقام الصلاة
" لا تتبعها "وايتاء الزكاة" ، وقلما تجد"
الإيمان " بكل مشتقاته غير متبوع " بالعمل الصالح "، وهذا الاقتران
من حيث الجوهر، هو اقترانٌ طبيعيٌ باعتبار أن الأمرين المقترنين هما وسائل من عند
الله نتقرب بها له زلفى.
لكن أن
نجد أن الله قد قرن عبادته بالإحسان إلى أحد من البشر، فهذا أمر من الاهمية بمكان
عظيم جداً، فكلنا يقرأ ويحفظ " وقضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا
إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ
أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا
وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ
الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا " ، وهذا التعظيم يدفعنا لأن نقول
" سمعنا واطعنا ".
لكن
" سمعنا وأطعنا " تدفعنا للبحث عن لماذا قال الله عزوجل " وبالوالدين
احسانا " ولماذا أكد على (أحدهما أو
كلاهما) ، لماذا ذكرهما ووضح المطلوب بحقهما ؟ ولماذا قرن الاحسان لهم بعبادته ؟
لا يخفى
على أحد ما للانسان من كرامة في الاسلام سواء كان الانسانُ رجلا او أمراة او شيخ
او طفل، لان الله قال في كتابه العزيز " ولقد كرمنا بني آدم" دون تحديد
لطبيعة بني آدم، والتكريم شمل كل الخلق، من حيث منحهم آلاء" لا تعد ولا تحصى
".
وقد خص
اللهً الوالدين بالتكريم بأن قرن رضاه عن
الانسان برضا والديه عنه، ومنحهم من الكرامة والتقدير ما لم يمنحه لاحد غيرهم،
وهذا تأكيد على أن الله يعلم ما يقدمه الوالدان لأبنائهما من اهتمام ورعاية وما
يعانياه من تعب ومشقة، فالأم تدخل رحلة
العناء والارهاق منذ ان يعلم بوجود جنين
في بطنها، حيث يحتاج لرعاية وغذاء خاص فيتغذى منها ومع الوقت يستهلك طاقتها
وحركتها، والاب يعمل ويكد حتى يوفر لأولاده
الطعام والشراب وما يحتاجه الاولاد .
لما سبق
وغيره الكثير قد أوصانا الله بالبر بهما ، وألا نقول لهم " اوف " واعتبر
أن رضاهما بوابة الانسان لدخول الجنة ، ولنا في قول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام قدوة حسنة
حين قال " رغم أنف
من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة ".
فيا من تعق والديك ولا تقدر قيمتهما وترفع صوتك عليهم ولا تكرمهم بما يليق بهم ،أسال الذين فقدوا والديهم ، كيف شعورهم بالفقد ؟ فلا تغتر بشبابك، واعلم أنه كما تدين تدان، فما تفلعه لوالديك سيفعله اولادك لك.
_