recent
أخبار ساخنة

ليلتان مع " المُشعوذ "

 

  




تُرى ما فائدة الرواية إن لم تطرق الأبواب المُغلقة وتكشف خباياها بأسلوب جميلٍ وجذابٍ يحقق للقارئ الاقناع والامتاع؟ وما قيمة الرواية إن لم تكن لسان الانسان تعبر عن ألمه وأمله ومسيره ومصيره وما يحب وما يكره ؟ بكل تأكيد ستكون كما لم تكن.

انقسم الناس تجاه الروايات لقسمين، الأول: يراها " كلام فاضي وقلة أدب "والآخر يراها " أدب لا بد منه " و"مطرقة ناعمة" لطرق خزان المسكوت عنه والمحظور، ومنظار يرى به أهل الصنعة ما لا يراه الآخرون، أو ما لا يرغب الآخرون برؤيته، ولا أنكرُ أني في فترةٍ ما كنتُ من أنصارِ التيار الأول، لكني عقِلتُ وانضممتُ للتيار الثاني، واقتنعتُ بأن ثمة رواياتٍ جديرة بالاحترام خاصة التي تكشف مرضاً مجتمعياً وتضعه أمام الجميع، لعلاجه، وتُبرز مكامن الجمال والأخلاق المجتمعية.

ومن القضايا التي تناولتها الروائيون مدحاً وقدحاً هي " الشعوذة " باعتبارها ظاهرةً تجد لنفسها متسعاً في صدر مجالس الجهلاء، وقلوبهم التي في صدورهم.

في رائعته الجديدة " المشعوذ " الصادرة عن رابطة الكتاب والادباء الفلسطينيين في غزة، يطرق  الدكتور عطالله أبو السبح وزير الثقافة الأسبق باب " الشعوذة " وبعنفٍ شديد، باعتبارها قضية قديمة قادمة من الميراث الثقافي الرديء، والتي ساهمت ولا زالت وبدرجةٍ كبيرة في تفتيت أواصر العلاقات بين الناس، ولقد كان لي شرف الالتقاء به ، أهداني " المشعوذ" ، قرأتها، وإليكم رأيي بها.

تصنف المشعوذ في حدود علمي ضمن الروايات الاجتماعية الواقعية التي تخدم المجتمع من خلال اعلاء قيمة انسانية رائعة، أو نبذ أفكار لا ضرورة لها، وهذا حدث في المشعوذ حيث جاءت لترشد الناس نحو فكرة أن الشعوذة هي عمل غير ديني وغير اخلاقي وأن المشعوذين هم تجار يكذبون على الناس من اجل المال.

 


في بداية الرواية يصف الكاتب مشهد بيوت أشخاص الرواية بشكلٍ دقيقٍ لدرجة جعلتني أتذكرُ بيوت المخيم بنسختها القديمة، حتى أنه بإمكان القارئ أن يمسك قلمه ويحول الكلمات لرسومات لتكتمل الصورة.

في الرواية مرور على قضية الزواج المبكر  خاصة إن كان العريس " لُقطة " فالأسرة ذات العدد الكبير تريد التخلص من البنات واعباءهن، لكن ليس كل العرسان تؤمن جوانبهم.

أكدت الرواية  ان ثمة صراع بين الثقافة والشعوذة، قاده المثقف "عادل " الذي وقف بالمرصاد لكل محاولات جعل الذهاب للمشعوذين والالتزام بأوامرهم " أسلوب لا بد منه لحل المشكلات"، فناقش المشعوذين حتى هزم فكرتهم وفضحهم.

ذكرت الرواية حقيقة مؤلمة، وهي أن النساء هن الأكثر اتباعاً للشعوذة ، فالمرأة التي ينفر منها زوجها أو التي تأخرت بالإنجاب، أو التي تريد الكيد لامرأة أخرى، ترى الخلاص في المشعوذ.

عبرت الرواية عن طبيعة الحياة في بيئة المشعوذين حيث المكان المعتم والمتسخ، والدخان المتطاير والتماتم والبخور، والمشعوذ يرتدي ملابس غير نظيفة.

ينقلنا الكاتبُ في ذات الوقت من حالة نفسية لأخرى لثالثة لرابعة لخامسة، فتارة نبتسمُ اعجاباً بما نقرأ من تعبيرات جميلة، ثم نحزن لحدثٍ مؤلمٍ وقع لإحدى شخصيات الرواية خاصة مريم واختها، ثم نشفقُ على الدجالين الذين ارتضوا على أنفسهم طاعة الشيطان، ثم نشمئز من  صنيع زوجي مريم الأول والثاني.

تنوعت شخصيات الرواية ما بين الرجال والنساء الكبار والصغار والعقلاء والجهلاء، أهل الهندام النظيف والقذر، أهل المنطق واللا منطق.

اعترف أني استفدت جداً بطل رواية " المشعوذ " المثقف عادل، وكأني وأنا أقرأها اتخيل الدكتور عطالله أبو السبح هو المتحدث خاصة إني أعرف أسلوبه في الحديث من خلال الدروس والخطب واللقاءات الثقافية والمقالات والكتب.

يمكن القول بأن " المشعوذ " كانت اشتباكاً ليس مع الاحتلال الذي يحتل أرضنا، بل مع التخلف الذي يحتل عقول بعضنا، أختم بنصيحة لمن يحب أن يقرأ الراوية: عزيزي: لا تقرأها في الليل.

5 فبراير2020  فلسطين

اشترك في قناتي تيوب

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

google-playkhamsatmostaqltradent