recent
أخبار ساخنة

أكاديمية القيم المفقودة

 

 


رحيل المؤثر لا يعني انتهاء الأثر، بل قد يكون الرحيل ، بداية حضور أكبر للفكرة التي تبعث في النفس ما تشتهيه ، وتجمع على موائدها ، روعة المضمون، وسمو الإبداع ، ورشاقة الأسلوب ، وعبقرية التعبير عن القضايا الساخنة ، وإتقان العزف على وتر النفوس، التي اشتاقت لمن يحرك الأماني الراكضة في ثناياها، ويوجه رياح الأمل نحو قلوبها التي استوطن فيها الألم ، حينها ستنال الفكرة درجة عالية من الإعجاب ، وعشق الجماهير سيصعب نسيانها مع الزمن.

 



هذا ما حدث مع الباب الذي إذا فُتح ، غُلقت الأبواب كلها، لتعيش النفوس مع الشاشة التي تستدعي عبق البطولة من التاريخ ، وتضعها على باب الحارة ، حيث البندقية تعرف طريقها، ولا ترتعش القلوب إذا التقت بعدوها ، والطيور تفرد جناحيها على طول القلوب وعرضها ، وتغرد بكل معاني البطولة ، والكرامة ، في سماء الوطن.

نجومية على أنقاض مصحف

 ذلك هو المسلسل الجميل الذي ذهب ، وترك بداخلنا لوعة انتظاره ، ليعود بنا للقيم التي افتقدناها منذ زمن ، فالمبادئ الجميلة في باب الحارة ، قد وجدت لها أذاناً صاغية عند المواطن العربي ، من المحيط للخليج ، خاصة بعد ارتقاء الشهامة ، والمروءة ، ودفنها في مقابر الأرقام والامتيازات ، ليتمكن على مدار أعوامه الخمسة ، من اجتذاب أغلب المشاهدين العرب بكل فئاتهم ، في ظل ازدحام المسلسلات التي دخلت قصر الزعيم ، وتخرجت منه بدرجة "ساقطة"، وتعاملت مع الأحداث بمنطق التزوير، والتحريف ، وفي أحسن الأحوال تدعو المشاهد للتخلي عن مبادئه الجميلة .

 ورغم جمالية باب الحارة ، إلا أنه يبقى عمل بشري ، فالأخطاء واردة ، لكن حجمها لم يصل للجدار الذي انطلقت منه الوصفات الرائعة ، التي قدمها المسلسل للعرب ، لإخراجهم من أزماتهم المتكررة، حيث الشهامة في مستويات عالية ، وصمود أهل الحارة أمام الضغوطات يبرهن على أن حب الوطن، فرض ديني ، وأن التضحية من أجله ،هي الحبل السري والسحري، الذي يربط الإنسان بوطنه، وتنبهنا إلى أن طيبة قلوبنا ، قد تكون سبب المأساة التي نعيشها، حين لا ندقق في ماضي جيراننا الجدد ، ونكتفي فقط بالكلام المعسول ، لنرمي بكل تفاصيلنا في حضن الغريب ، ونتكئ عليه.

 وعلى أي حال ، يبقى باب الحارة من أفضل أنواع الكحل ، التي تكحلت بها عيوننا هذا العام، لذا نتقدم بجزيل الشكر، لكل من ساهم في إخراج النفسية العربية من حالة التذمر، إلى حالة الأمل ولو كان مؤقتاً.

 


اشترك في قناتي تيوب

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

google-playkhamsatmostaqltradent