لا غرابة في أن يكون عدم زواج الشباب ناتجٌ رغم بلوغه سن الزواج عن ضيق ذات اليد بكل ما تحمله الكلمة من أبعاد ومعان، من مهرٍ وبيتٍ وعملٍ، خاصة مع تزايد طقوس الزواج وامتلاء مشاهد الحياة بما لا يضمن القدرة على ضبط النفس، لكن الغريب أن تجد من يُحجم عن الزواج رغم توفر ما يعينه على ذلك ويكون سبب الإحجام حب العلم والرغبة في التفرغ له.
في كتابه (العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج) يذكر "عبدالفتاح
أبو غدة" عدد من العلماء الذين فاقت شهرتهم حدود جغرافيتهم واستمر تأثيرهم لحقبٍ
زمنيةٍ لاحقةٍ لزمنهم في شتى العلوم، لكنهم عاشوا وماتوا عزاباً رغم أنهم مؤمنون
بأن الزواج من آيات الله، ولك أن تتخيل أن من هؤلاء العلماء (الإمام النووي، ابن تيمية،
ابن جرير الطبري، الإمام الرازي، بشر الحافي، الخوارزمي).
لقد برر العلماء عدم زواجهم برغبتهم في التفرغ التام للعلم على اعتبار
أن الزواج يخلق مسئوليات مثل تربية الأولاد والإهتمام بالزوجة وخشيتهم من عقوق أولادهم
لهم، مما قد يشغلهم عن تحصيل العلم لدرجة أن "الزمخشري" اعتبر مؤلفاته أفضل
وأبر عليه من الأبناء، وكتب شعرا قال فيه :
تصفحت أولاد الرجال فلم أكد * أصادف من لا يفضح الأم والأبا
وقال الإمام الأديب ( عمر بن خلف):
من كان منفرداً في ذا الزمان....... فقد نجا من الذل والأحزان والقلق.
تزويجنا كركوبِ البحر ثم إذا....... صرنا إلى ولدٍ صرنا إلى الغرق.
ما سبق كان رأيهم، أما رأيي المتواضع، أرى أن هؤلاء العلماء مع كامل الحب
والإحترام لهم قد بالغوا في ترجيح كفة العلم على الزواج، ولا أخالهم يجهلون فوائده
، صحيح أن النهم للعلم قد يستوطن في نفس مُحبه، لكن محبَ العلمِ لن يحصل العلم كاملاً حتى لو امتنع عن الزواج، لأن
العلم أكبر من أن يُحصله إنسان ما حتى لو عاش قرناً من الزمان.
وعلى هذا يمكن القول بأن الإحجام عن الزواج بسبب العلم ليس مبرراً منطقياً،
وأنه رغم ما فيه من مشاغل ومشاكل إلا أنه ليس عائقا عن العلم، لو بحثنا في تاريخ العلماء
سنجد كثيراً منهم تزوح وعدد، وبلغ علمه الآفاق، فيا عشاق العلم، تعلموا وتزوجوا ولا
تنسوا أن في العلم انتصارٌ على الجهل وفي الزواج هزيمة للرذيلة، وأن في كليهما
تهذيب وتأديب وإصلاح وسعادة وعبادة.
ps