أكتب لأنني لم أجد طريقةً أفضل للانتحار، ولأنني لا أستطيعُ استبدال
دمي بعصير البندورة، أكتبُ بالحتميّة ذاتها التي ترتفعُ فيها السنبلة، ويفيضُ
البحر، ويكتظُّ الثديُ بالحليب، هل يجيبكَ ثديُ المرأة، إذا سألته لماذا هو مكتظ بالحليب؟
إن ما قاله نزار قباني يؤكد بأن الكتابة تتعدى أهدافها إبراز مهارة الكاتب في تصفيف الحروف كما تصفف المرأة شعرها لتبدو أنيقة ورشيقة ورقيقة، بل هي رسالةٌ انسانيةُ ساميةٌ هدفها ايصال السناء إلى عقول القراء، ونثر بذور الأفكار في رحم الأرض وسقيها بالحنان والحب حتى تنمو ويستمتع الجميع بمنظرها ويتعطر برائحتها الجميلة، وهي وسيلة راقية يعبر بها الإنسان عما يدور في نفسه وفي المجتمع من مشاعر ورؤى وأفكار تبين الخلل في المسيرة وتصحح المسار.
فالكتابة كما قال عنها ابن خلدون "صناعة شريفة ومن
الخواص التي تميز الإنسان عن الحيوان، وتطلع على ما في الضمائر وتتأذى بها الأغراض
إلى البلد البعيد، فتقضى الحاجات، ويطلع بها على العلوم والمعارف وصحف الأولين،
وما كتبوه من علومهم وأخبارهم، فهي شريفة بهذه الوجوه والمنافع".
تعدد منصات التدوين... بين الفوضى وحرية التعبير
وبالعودة إلى "لماذا نكتب؟" هو سؤال يراود كل من دخل عالم الكتابة باعتبارها عملاً إنسانياً، فمن الطبيعي أن تختلف النظرة إليها باختلاف زاوية النظر، وهذا أمر طبيعي لأننا بشر والاختلاف يثري المشهد ويجعله أكثر جمالاً. فهل نكتب لأن الكتابة فرصة لأن نبوح عن الآم الرُّوح ونفصح عن بعض مُعاناتها؟ هل نحاول -حين نحلِّق بعيدًا بأفكارنا وأهدافنا ومشاعرنا- الإفلات من سجن الواقع المرير؟
هل نكتب رغبة في أن نبقى أفكارنا حية بعدما تموت أجسادنا؟ وتبقى الأجيال اللاحقة تتذكرنا؟ هل نكتب كي نعلن أن ثمة أخطاء في العالم يجب أن تزول ومسارات يجب أن تصحح؟ هل نكتب لأننا لا نجد شيئاً نفعله غير الكتابة؟ أم أن الكتابةَ هوسٌ يلاحقنا حتى في غمرة انشغالاتنا في طقوس الحياة اليومية؟ هل نكتب لننال رضا الحاكم فيعطينا مجداً ومالاً وشهرةً ومناصب؟