الاسرة بين الماضي والحاضر والمستقبل

"

بالأمس .. كنت أحاول تخفيف وطأة هذه المعاناة القاسية على أولادي ..فكان علي أن أخترع سيناريو ..فقلت ...لا تخافوا.. هذا الجسد كقميص رثّ.. لا يدوم ..حين أخلعه ..سأهرب خلسة من بين الورد المسجّى في الصندوق ..وأترك الجنازة "وخراريف العزاء" عن الطبخ وأوجاع المفاصل والزكام ... مراقبة الأخريات الداخلات .. والروائح المحتقنة ...وسأجري كغزالة إلى بيتي ...سأطهو وجبة عشاء طيبة ..سأرتب البيت وأشعل الشموع ...وأنتظر عودتكم في الشرفة كالعادة ..أجلس مع فنجان الميرمية ..أرقب مرج ابن عامر ..وأقول .. هذه الحياة جميلة والموت كالتاريخ ..فصل مزيّف ..". 

هذه اخر كلمات الفنانة الفلسطينية ريم بنا التي رحلت عن الدنيا في برلين يوم السبت الموافق 24مارس 2018بعد رحلة صراع مع المرض الذي انهك جسدها ، والتي وجهتها ريم لأولادها وهي تخبرهم بانها ستنتصر على المرض في المرة الثانية كما انتصرت عليه في المرة الاولى، لكن الله شاء غير ما شاءت ريم. ريم البنا التي وضعت صوتها المخملي في خدمة الوطن، فاستثمرته أيما استثمار في ايصال معاناته إلى العالم بلغةٍ انسانيةٍ راقيةٍ تلامسُ شغاف القلوب، حضرت في أغاني ريم كل تفاصيل الوطن كما حضرت في الوصية، غنت ريم للجدة ( يا ستي يا ستي غاب القمر جيتي أنتِ) وغنت للوطن الذي استوطن الحنين إليه في قلبها مثلما استوطن المرض جسدها، غنت ريم قصائد عامية وبلغة فصحى. )جفرا( كان أول ألبومات ريم عام 1985 وهو عنوان مسيرتها الفنية العريضة، رغم قصر عمرها فقد كانت ريادية في انتشال درر شعرية مغناة من بحر التراث، خاصة للأطفال، إلى جانب قصائد شعراء فلسطين كمحمود وسميح وتوفيق ووالدتها زهيرة صباغ… من «قمر أبو ليلة» حتى «مرايا الروح. 

وقريب من ذلك:وفاء هبة ووجع فؤادها

 

كانت ريم نصيرة القضايا الانسانية وساندت ثورات الحرية ، ولم يكن لها لون سياسي لأنها اعتبرت أن الغناء لغة انسانية، وليس لغة سياسية، فهو يعبر عن معاناة الانسان وطموحاته في أن يعيش في أمن وامان بعيداً عن الحروب التي تقتل البسمة قبل ان تقتل الجسد. تزوجت ريم بنا من ليونيد أليكسانكو، موسيقار روسي الأصل زاملته وتعرفت عليه في المعهد العالي للموسيقى في موسكو، وأنجبا بيسلان، سالم، وقمران قبل أن ينفصلا عام 2010. رحلت ريم ، وستبقى مرايا الروح تحاصرنا مثلما حاصرتك يا ريم.

 ورغم أن قمر الحرية والاستقلال في سماء فلسطين لم يلح بعد إلا أن الجبل سيبقى شامخاً بانتظار روحك أن ترفع عليه علم الحب والحرية، وستعود ستك العرجة صبية حينما تعود إلى بلادها وتعطر قلبها بعطر الارض التي تركتها مرغمة، وستتحرر القدس التي عشقتيها يا ريم.