recent
أخبار ساخنة

أن تلتحق بجامعة خارج بلدك



كم جميلٌ أن يَنتقلَ الإنسانُ من مَرحلةٍ لأخُرى، ويَعيشُ تَفاصِيلَها، يَتذوقُ مِنْ عَسيلتِها تارة، ويَغرِفُ مِنْ مَرارتِها تارةً أخرى، ليُصدرَ الحُكمَ المُناسبَ على كُلِ مَرحلةٍ بَعدَ مُرورِها، وللحقْ، فإن المَرحلةَ الجَامعية هي أفضلُ المَحطاتِ التي تَمرُ بها سفينةُ الحياة ،لأنها تُزودُ الإنسانَ بالعلمِ والمعرفةِ، والخبرةِ والتجربةِ، وبُكِلِ ما يَلزمْ، لمُواجهةِ أعباء الحياةْ، خاصة إن قدر لله لك أن تكمل دراستك خارج بلدك، وهذا ما حدث معي .

أنهيتُ الثانوية العامة وبدرجةٍ عالية، فبدأتُ رحلة البحث عن منحةٍ دراسيةٍ خارجيةٍ، وكانت أمنياتي وتطلعاتي تولي وجهها شطر أرض الكنانة ( مصر) باعتبارها أم الدنيا، بحكم أننا في فلسطين وخاصة أهل غزة (فلسطينيون الهوية و مصريون الهوى) كما قال الشهيد القائد ياسر عرفات رحمه الله، بل لا غرابة إن وجدنا عائلات فلسطينية تعود أصولها الى مصر، وأن نسبة كبيرة من اهل غزة متزوجون من نساء مصريات

لكن، ولأن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ، فقد شاء الله أن تولي أشرعتي وجهها صوب بلادٍ لم يكن في حساباتي أو توقعاتي أو تطلعاتي أن ازورها، عدا عن أن أكمل دراستي فيها، حيث رست سفينتي في بلاد الماء والخضرة والوجه الحسن، هناك في المملكة المغربية ، فقلت في نفسي ربما هي نعمة، على رأي الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي

اثناء التحضير للسفر، نصحتني احدي عجائز عائلتي بأن( خليك هنا خليك وبلاش تسافر) على رأي جورج وسوف ، لكني صممت ، لان رغبتي منذ بداية نضجي تلح بضرورة الدراسة خارج البلد، سافرت للمغرب ووصلتها برفقة مجموعة من ابناء الوطن، فبدأت اتعرف على الاماكن التي ستصبح جزءا من عالمي رغما عني، الجامعة، والسكن الجامعي، المطعم ،السوق، المقهى ، المؤسسات التي يجب ان اتعامل معها، وبصراحة في المغرب وجدت اناس يحبون فلسطين كما يحبون الحياة، رغم ان ما بين المغرب وفلسطين من مسافات جغرافية بعيدة ،الا ان المسافة الروحية والوجدانية كانت قريبة جدا

رويدا رويدا بدأت اشعر بتغير الجو في كل النواحي، لم يكن الامر سهلا ، وتذكرت نصيحة العجوزة التي نصحتني بالبقاء في فلسطين وان اكمل دراستي فيها، لكنني صممت على مواصلة الدرب حتى النهاية، ويوما بعد يوما استنتجت انه في الغربة ستتولى زمام امورك بنفسك، منذ أن تستيقظ من نومك وترتب غرفتك، وتعد افطارك وشرابك وحدك.

في الغربة ستذهب للسوق وتطبخ وحدك، في الغربة ستشاهد التلفاز وحدك،  ستعرف في الغربة قيمة الوطن، وستدرك ان وطنك الذي كنت تشعر فيه ومنه بالضجر هو جنة كنت أنت تجهلها.

في الغربة يمتلأ قلبك بالحنين والاشتياق لأشخاص تحبهم وأمكنة كنت تعشقها وأزمنة عشتها

في الغربة ستعرف قيمة امك التي كنت تتوسل لها كي تعطيك ما تريد، ولأبيك ، ولأختك التي كنت تتشاكس معها حين تطلب منها ان تعد لك وجبة طعام، ولأخيك التي تلعب معه العابا عنيفة، ولأصدقاء الطفولة

في الغربة ستشتاق لأغنية كنت تهواها، وبنت كنت تعشقها، ونادي كنت ترتاده، في الغربة ستتحدث لا صدقاءك الجدد عن اصدقاءك القدامى

في الغربة ستجلس كل يوم رمضان تتذكر اجتماع العائلة على مائدة الافطار وحديث ما قبل الافطار، واللعب خارج المنزل انتظارا للأذان بالإفطار، ولبرامجك المفصلة بعد الافطار، وستشتاق لمسجدك المفضل، وامامك المفضل، ستشتاق لبرنامج زيارات العيد

ستتألم كثيرا في الغربة لو مرضت ولم تجد اهلك حولك، وستشعر بأن الالم يتضاعف وكأنه ينفرد فيك وحدك

في الغربة ستتعلم الاعتماد على نفسك في كل شيء ، ستكون مسؤولا عن دفع فاتورة الماء والكهرباء وباقي الخدمات بنفسك. 

في الغربة ستمارس دور السفير لبلدك فتحرص ان تكسب الجميع لتعطيهم عن بلدك اجمل انطباع وتعبر عن هموم بلدك لكل من تتعرف عليه فرب زميل لك اليوم يصبح غدا مسئولا في بلده

في الغربة ستلتقي بأناس من نفس بلدك وتقوي العلاقة بهم.

في الغربة ستجلس في المقاهي تنظر في وجوه المارة علك تجد من تعرفه، أو تسترق السمع من لهجات الجالسين لعلك تسمع لهجة قريبة من لهجتك

في الغربة يحب عليك ان تتعلم كل ما تستطيع اليه سبيلا عن البلد الذي تعيش فيه وكانه بلدك وتعرف عن تاريخه وجغرافيا وطقوسه وكل شؤ فيه، يعني انك ستتعرف الى لهجة غريبة أو لغة غريبة للتأقلم مع واقعك الجديد

باختصار في الغربة سيتجسد امامك ما قاله الامام الشافعي(: "تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلى...وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ: تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ، وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد"

اشترك في قناتي تيوب

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

google-playkhamsatmostaqltradent