يقال أن حب الوطن نصف انتماء ، وتحويل
هذا الحب لواقع عملي هو انتماء كامل للوطن، وكل انسان يحب وطنه ، وهذا امر فطري،
لكن تختلف نسبة الترجمة الفعلية لهذا الحب، فبعضنا يضحي بروحه، وبعضنا بماله،
وبعضنا بحريته من اجل الوطن.
ولما كان حب الوطن والدفاع عنه
جزء من العقيدة تسارع ابناؤه للدفاع عن
عنه ، فمنهم من قضى نحبه وارتقى في ساحات الوغى شهيدا مقبل غير مدبر، ومنهم كتب
الله له ان يكون اسيرا في سجون الاحتلال
الصهيوني.
حيث أنه في السجن يتعرض الاسرى لأبشع انواع القهر
فالإهمال الطبي والعزل الانفرادي والمنع من الزيارات والحرمان من النوم والتفتيش
المفاجئ هي وجبات يذيقها الاحتلال للأسرى كي ينغص عليهم حياتهم.
فقد ظن الاحتلال ان السجن يحول الاسد
الهصور الى جبان، ويسحب من دمه عنفوان الثورة وحب الوطن، ويجعله يندم على ما فعل
من اجل وطنه، ولكن الأعداءَ نسوا أن وضعَ القيود في معاصمِ الأُسود لن يُفقدها
هيبتها، ومهما طالت مدة الاحتجاز، لن يتحولَ الأسد لحملٍ وديعٍ .
في السجنِ يجتمعُ الرجال، وتتلاقى
البطولات، وتُعبر الأماني عن رأيِها ورغبتِها برؤيِة النور، وتُجدد النفوس عهدها
مع الإرادةِ على مواصلةِ الطريق ، وهدم جدران الصمت التي يختبئ خلفها الضعفاء ، في
السجنِ الكل يشرب كأس العذاب مبتسماً للموتِ من أجل كرامة فلسطين، في السجنِ تختلطُ
القلوب ببعضها ليصبح قلبها واحداً و قبلتها واحدةً هي فلسطين.
لم يستسلم الاسرى ، فبالرغم من الصورة القاتمة عن السجن، فقد تحول لمصنع إنتاج الرجال
والأفكار، فالنماذج الابداعية كثيرة ، فكثير من الاسرى حفظوا القرآن الكريم وحصلوا على السند، وحفظوا الاحاديث النبوية،
وحصلوا على شهادتا جامعية مرحلة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وقرأوا مئات
الكتب، وكتبوا الكثير من الكتب ،وها هو شيخ الاقصى رائد صلاح يقول(والله لا أبالغ،
كنتُ أشعر أن وقتي قصير، فكان اليوم يمر بسرعة، لكن بحمد الله كان لي برنامجي،
فقرأت في زنزانتي الانفرادية في سجون الاحتلال لمدة تسعة أشهر 80 كتابًا، وألفت
أربعة أخر، ونظمت 23 قصيدة). بل إن الكثير من المعتقلين تعلموا اللغة العبرية
والإنجليزية، كما تعلموا فنون الزخرفة وصناعة المجسمات، وكثير من الأمور النافعة، وهذا
دليل إضافي على تحديهم للسجان الذي يريد لهم أن تضيع أعمارهم دون إنجاز، لكنهم
استمسكوا بما قال الإمام ابن تيمية (ماذا
يفعل بي أعدائي، إن سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة، فهم مسجونون ومقومات
الخلوة بالكتب والمعرفة متوفرة، فيجب استثمار العمر إلى حين وقت التحرير.
ايها الاسرى الابطال : لكم منا كل الشكر والوفاء
والحب، فأنتم الوقود الذي نتزودُ به في رحلةِ البحثِ عن الحرية، واعلموا أنه عندما
يُراد لكم أن تموتوا، فتُفاجئوا قاتلكم بأن الحياةَ بالنسبة لكم جواز سفر إلى
المجدِ وليس غاية المنى، سيقفُ التاريخ لكم احتراماً وتقديراً، وسيضعُ على رأسِكم
تاج المجد المرصع بالكرامة.