رشيقةٌ ورقيقةٌ وأنيقةٌ هذه أولى الانطباعات التي تتسرب إلى ذهن أي إنسان حينما يرى الفتاة العشرينية دلال المغربي، ولا يخطر في باله أن تلك الفتاة تُخفي خلف ملامحها الجميلة الهادئة
بحر يموج بعواصف الحقد على من اغتصب أرضها وطرد أجدادها منها.
ففي غمرة سريان الألم في الجسد الفلسطيني، وتسابق الجميع لإنهاء الوجود الفلسطيني لتصبح فلسطين بلا شعب، والشعب الفلسطيني بلا هوية، ورغبة منها في أن تقدم لوطنها ما تقدر وتعرف وتفديه بروحها ، فقد قررت دلال المغربي أن تكون الجميلة الثائرة، ولم تركن دلال الى الدلال ولم ترغب بالبقاء في جمهورية الانوثة ، فكانت كما أرادت ، لتقول للعالم بأن فلسطين لنا ، فهي كما وصفها صلاح خلف أحد أعمدة الثورة الفلسطينية في كتابه " فلسطيني بلا هوية " أنها مناضلة شابة نجت من جحيم تل الزعتر تفيض تفاؤلاً وفرحاً بالحياة وتوقداً .
قادت المناضلة دلال المغربي مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين عام1978 حيث نزلوا سرا على أحد شواطئ تل أبيب على أن يلتقيهم اعضاء المقاومة في الداخل ،وعندها تتجه المجموعة نحو مخيم تدريب الجيش في الضاحية القريبة وتحاول الاستيلاء على جنود الحامية بهدف مقابلتهم بعددٍ موازٍ من المعتقلين الفلسطينيين، لكن الطبيعة شاءت غير ذلك حيث أن عاصفةً منعت الزورقين اللذان نقلا الفدائيين من بلوغ المكان المطلوب في الموعد المضروب ، وهنا وجدت المناضلة الشابة نفسها تواجه وضعاً لم يكن في الحسبان، فإنه كان عليها أن تضطلع بمسئولية ارتجال خطة بديلة للعمل ينبغي للمجموعة التي تقودها تنفيذه، فقد استولت ورفاقها على اتوبيس وركابه ليؤمنوا لأنفسهم جواز مرور حتى تل أبيب، هكذا قال صلاح خلف في كتابه فلسطيني بلا هوية.
وقالت دلال للرهائن "نحن لا نريد قتلكم، نحن نحتجزكم فقط كرهائن لنخلص إخواننا المعتقلين في سجون دولتكم المزعومة من براثن الأسر" ثم أخرجت من حقيبتها علم فلسطين وعلقته داخل الحافلة وهي تردد "بلادي.. بلادي لك حبي وفؤادي، فلسطين يا أرض الجدود إليك لا بد أن نعود" .
لكن الخاتمة كانت مأساوية ، فبعد أن أصبحت دلال وفرقتها على مشارف تل أبيب كلفت الحكومة الصهيونية فرقة خاصة من الجيش يقودها باراك بإيقاف الحافلة وقتل أو اعتقال ركابها من الفدائيين، وحدث الاشتباك ، فاستشهدت دلال مع زملائها، وأسر واحد، وسقط من العدو الصهيوني عشرات القتلى والجرحى، واحترقت سيارة الركاب بمن فيها.
إن دلال أقامت الجمهورية الفلسطينية ورفعت العلم الفلسطيني، ليس المهم كم عمر هذه الجمهورية، المهم أن العلم الفلسطيني ارتفع في عمق الأرض المحتلة على طريق طوله 95 كيلو مترا في الخط الرئيسي في فلسطين" هكذا قال نزار قباني عن المناضلة دلال المغربي.
لم يكن اهتمام دلال بفلسطين وأهلها يقتصر على فترة وجودها في الحياة، بل كانت حريصة عليها وعليهم حتى بعد رحيلها، حيث تركت دلال قبل استشهادها وصية مكتوبة بخط يدها للفلسطينيين "وصيتي لكم جميعا أيها الإخوة حملة البنادق تبدأ بتجميد التناقضات الثانوية، وتصعيد التناقض الرئيسي وتوجيه البنادق ضد العدو الصهيوني ، واستقلالية القرار الفلسطيني تحميه بنادق الثوار المستمرة لكل الفصائل، أقولها لإخواني جميعا أينما تواجدوا: الاستمرار بنفس الطريق الذي سلكناه".
وكأن دلال كانت تقرأ واقعنا المعاصر ، فهل قلنا لها سمعنا واطعنا ،أم سمعنا وعصينا يا عروس يافا؟