لكن،
ولأن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ، فقد شاء الله أن تولي أشرعتي وجهها صوب بلادٍ
لم يكن في حساباتي أو توقعاتي أو تطلعاتي أن ازورها، عدا عن أن أكمل دراستي فيها،
حيث رست سفينتي في بلاد الماء والخضرة والوجه الحسن، هناك في المملكة المغربية ، فقلت
في نفسي ربما هي نعمة، على رأي الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي.
سافرتُ
للمغرب برفقة مجموعة من أبناء الوطن، فلما وصلتُ، بدأت أتعرف على الأماكن التي
ستصبح جزءاً من عالمي ، الجامعة، والسكن الجامعي، المطعم ،السوق، المقهى ، المؤسسات
التي يجب أن أتعامل معها، الشوارع التي سأسلكها.
أذكر
أنه في أول أيامي في الجامعة عاتبني شابٌ مغربيٌ بخصوص مسألة إلغاء
مواد الميثاق الوطني الفلسطيني مع زيارة الرئيس
الامريكي بل كلينتون لغزة ، والتي نصت على القضاء على دولة
إسرائيل، وتعديل بعضها الآخر، التزاماً باتفاق واي بلانتيشن ،فقد وجدت في السؤال دليل
على متابعة قوية للشأن الفلسطيني، ويوماً بعد يوم كنت أكتشف أن لفلسطين مكانة عصية
على الوصف في قلوب المغاربة، فتراهم يسعدون جدا حين يعرفون أنك من فلسطين وكأنهم
يجدون ضالتهم فيك.
ففي
قلوب المغاربة تسكن فلسطين ،وحبها يسري مثلما تسري الدماء في عروقهم، في المغرب
يحفظون اشعار محمود درويش وفدوى طوقان وسميح القاسم كما يحفظون أسماء امهاتهم وحبيباتهم
، ويتفاعلون مع أخبار فلسطين كما يتفاعلون مع أخبارهم الجميلة ، ويضحكون إن كانت
فلسطين بخير ويحزنون إن حزنت، في المغرب خرجت أكبر مسيرة في العالم العربي في
بداية انتفاضة الاقصى عام 2000 حيث قُدر عدد المشاركين بميلون متظاهر، وكان لي شرف
المشاركة فيها، واذكر
انه في بداية الانتفاضة وبينما كنت جالساً في السفارة الفلسطينية دخل زميلي
في الكلية ومعه علبة بها حجارة يريد ايصالها لفلسطين، في
المغرب تحضر فلسطين في كل الفعاليات والمؤتمرات والمهرجانات السياسية والفكرية
والرياضية والفنية والكشفية والشعرية، وكان لي شرف المشاركة في بعضها، في المغرب تجد شارعاً باسم فلسطين والقدس وغزة وكل مناطق
فلسطين.
وبصراحة
أنساني حب المغاربة لفلسطين ما بين فلسطين والمغرب من مسافات جغرافية بعيدة، ونسيت
أني بعيدٌ عن أهلي، لأنهم استبدلوها
بالمزيد من قرب المسافة الوجدانية والروحية، هم يحبون فلسطين كما يحبون
الحياة، بل لا ابالغ إن قلت أن قلوب المغاربة معلقة بحبلين حبل الله، ثم بحبل حب
فلسطين.
يجب
علينا ألا ننسى أن المغاربة هم الوحيدون الذين لهم اسمٌ يطلق على احد أبواب المسجد
الاقصى، وهذا لم يكن اعتباطيا بل كان نتيجة التضحيات الجسام التي قدمها المغاربة
لفلسطين.
ختاماً،
لا أريد أن يفهم القارئ أني انكر حب كل الشعوب العربية لفلسطين، بل إني لمست من خلال زملاء الدراسة العرب في المغرب حباً
شديداً لفلسطين، لكني أكتب هذا الرأي من واقع التجربة التي لسمتها وعايشتها خلال
فترة الدراسة الجامعية بالمغرب.