recent
أخبار ساخنة

أين نحن من هؤلاء ؟

 ربما ، وبحسن نية، يحاول بعض الدعاة والوعاظ، وفي اطار إبداء سخطهم وعدم رضاهم عن الواقع المُعاش، عقد مقارنة بين السابقين من المسلمين واللاحقين، فيذكرون مناقب السابقين ، وذكر أفضالهم وفضائلهم ووضعها أمام اللاحقين من المسلمين، ثم يتساءلون:  أين نحن من هؤلاء ؟ 

فيا ترى هل هذه مقارنة منطقية ؟

من حيث المبدأ، فإن هدف الدعاة نبيلٌ وجميلٌ وجليلٌ، لكن كي تنجح المقارنة وتُؤتي أكلها، لابد لها من توفر عناصر معينة، منها وجود ظروف متطابقة إلى حد كبير ، فلا يعقل أن نقارن بين مسلم القرن الاول ومسلم القرن العشرين ، لماذا  لا يعقل ؟

المتابع لتطور الحياة بكل مظاهرها يجد أن ثمة فوارق كبيرة بين زمن مضى وزمن مُعاش، بل لا نبالغ لو قلنا بأن التطور لا يتوقف، فكل يوم تجد امور مستحدثة في الحياة.

هذا التطور المذهل جعل المقارنة غير منطقية، فمسلم القرون الأولى لم يكن لديه من مغريات الدينا ما هو موجود الآن، فقد عاش حياته قانعاً بالقليل من زاد الدنيا ، وساعياً للكثير من زاد الآخرة، ومعينه على ذلك قلة الانتاجات البشرية.

ولو تطرقنا لمسألة واحدة وهي  " العلم " فالبعض يقول بأن العالِم سابقاً كان يجيد أكثر من علم وأكثر من لغة، فيكتب في الفلسفة والمنطق وعلم الاجتماع والطب وعلوم الدين وغيره، هذا أمرٌ لا يمكن انكاره، لكن ما كان متاحاً سابقاً لم يعد كذلك الآن، فالمعارف تتسع والعلوم تتنوع ،حتى داخل العلم الواحد توجد تفرعات، ثم إن العالِم قديما لم يكن لديه متطلبات حياة كثيرة، فكان يقضي وقتا طويلاً في التعلم والتعليم، بينما الآن تجد أن متطلبات الحياة تتشعب يوماً بعد يوم، وكي تحقق هذه المطالب يجب قضاء وقت لا بأس به من الانسان  في طرق تلبيتها، وهذا يقلل فرصة اقباله على التعليم وتنويع المعارف.

أرى أن الاكثار من تقزيم مسلم القرن الحالي من شأنه خلق نوعاً من الاحباط واليأس لديه،  لأنه سيظن أنه مهما فعل لن يصل لما وصل له المسلمون الاوائل، ثم إن المنطق العلمي والموضوعي يقتضي ذكر مسألة في غاية الاهمية هو أن وجود نماذج رائعة جداً في الأزمنة الماضية لا يعني تعميم تلك النماذج على الجميع، ولا ينفي وجود نماذج رائعة في العصر الحديث.

 لذا على الدعاة فهم التغيرات التي تحدث كل ساعة في مشارق الأرض ومغاربها وما لها من انعكاسات على أخلاق الناس وأفكارهم ، وربما مستوى تدينهم، ومعرفة أن انسان هذا الزمان خلق لهذا الزمان وانهم خلقوا لزمان غير زماننا وحتماً ستختلف الابداعات حسب الزمان والمكان.

 

اشترك في قناتي تيوب

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

google-playkhamsatmostaqltradent