recent
أخبار ساخنة

البحر والراحة النفسية


 ثمة أماكن تأسر الإنسان وتسحره دون أن يشعر، فيدخلها مثقلاً بالهموم، يشكو لها ضجيج نفسه والحياة، فتصغي له بكل وقار، وتفتح له صدرها وتسقيه من رحيق حنانها حتى يرتوي، وتمنحه طاقة ايجابية رائعة، فيخرج كما ولدته أُمه.

كيف استقبلت غزة رمضان 2019

من هذه الأماكن "البحر"، فالجميع _إلا من أبى _يحبونه ويرون فيه طبيبهم النفسي الذي يبثون له همومهم  وهم في كامل الإطمئنان ودون أن يساورهم أدنى شك بأنه سيعالجهم دون أن يفشي أسرارهم لأخرين أو ينشرها على مواقع التواصل الإجتماعي.

فلماذا اكتسب البحر هذه الشعبية من بين مكونات الطبيعية ومصادر الراحة النفسية رغم أنه لا يغازل الجنس اللطيف ولا يخاف  الجنس القوي؟

كتب الشاعر المصري "محمد أبو العلا " قصيدة بعنوان "وقال البحر"( قَصَدتُ البَحْرَ كي أشكو وفي الأحشاءِ أحزاني، فَمَدَّ ردائَهُ الرَّملي قال : اجلِسْ وحيَّاني ، وقال: اقصُصْ .. ولا تَخْجَلْ فقَدْ أَصْغَيْتُ آذاني).

وكتب آخر(يَا بحرُ جئتكَ حَائرَ الوِجدانِ أشكو جَفاءَ الدَّهرِ للإنسانِ يا بحرُ خاصَمني الزَّمانُ وإنَّني ما عدتُ أعرفُ في الحَياةِ مَكاني).

ومما قرأته أن علماء من "جامعة برنستون" في ولاية نيوجيرسي الأمريكية، أشاروا في دراسة أجريت عام 2016، إلى أن هنالك ارتباطا بين الجلوس أمام البحر والنظر إليه، وتحسين الحالة المزاجية والراحة النفسية.

وقالوا بأن الجلوس 5 دقائق أمام البحر تعادل الجلوس عند الطبيب النفسي لمدة أسبوع، لما لذلك من فوائد نفسية وعضوية على الإنسان.

وأشاروا إلى أنه حينما يجلس الإنسان قرب البحر يفرز الجسم هرمونا يقوم بتهدئته نفسياً وعضوياً، ومن ثم يشعر بحالة من الراحة النفسية والسكون الداخلي، الأمر الذي يقلل الإصابة بالأمراض المزمنة، مثل القلق والخوف والتوتر، وأن الجلوس قرب البحر يجدد نشاط الإنسان ويمنحه دفعة أمامية نحو العمل والحياة، إضافة إلى أن صوت أمواج البحر يعمل على تنويم العقل وتهدئته، وبالتالي يساعد على إعادة حيويته ونشاطه اللذين يؤثران إيجابا على أجهزة الجسم.

إن هواء البحر يحتوي علي أيونات سالبة تعمل علي تحسين المزاج وزيادة سرعة إمتصاص الأُكسجين في الدم مما يؤدي إلى تهدئة الأعصاب وتقليل التوتر والإضطرابات العصبية، كما يعمل علي إفراز مادة "الإندروفين" الذي يعطي شعورًا بالراحة.

إن جمال البحر ورعته قد حرض الكتاب والشعراء وأهل الغناء على إبداء رأيهم فيه، فكتب الكثيرون منهم مقالات وقصائد وغنى المغنون، ولعل من أبرز القصائد العربية تلك التي غنتها فيروز حيث قالت : شايف البحر شو كبير كبر البحر بحبك".

إن النظر للبحر يريح العين حيث الفضاء الواسع الذي لا تستطيع العين إدراك منتهاه، ويرى الإنسانُ البحر متقلب ما بين مد وجزر.

ان البحر لا يمدنا فقط بما نأكله، وليس وسيلة نقل ومواصلات بين دول العالم، بل هو طبيب نفسي بامتياز نلجأ له حينما يخنقنا هواء الحياة المليئة .

 

 

اشترك في قناتي تيوب

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

google-playkhamsatmostaqltradent