recent
أخبار ساخنة

اللاجئون الفلسطينيون والحفاظ على الهوية

 

ربما راهن قادة الاحتلال الصهيوني على أن  إطالة أمد لجوء الشعب الفلسطيني وتشتته سيجبره ويدفعه للانسجام والانغماس في تفاصيل الحياة الجديدة في الدول التي استقر فيها ، ورويداً رويداً تذوب الهوية الفلسطينية ، وتتحقق النبوءة الصهيونية بأن (الكبار يموتون والصغار ينسون) ويصبح الفلسطيني (كائن بلا هوية) .

لكن الظروف كذبت الحروف والوقائع كذبت الاماني، فرغم موت الكبار إلا إن الصغار لم ينسوا ، وليس في واردهم  النسيان، لأنهم تشربوا حب فلسطين من أهلهم في حكاياتهم التي رواها الأب  لأولاده، حين كان يصف لهم جداول الماء والخضرة والوجه الحسن، والسهر تحت ظل القمر، ويحدثهم عن طقوسهم الاجتماعية التي كانوا يمارسونها  في كل المناسبات كي يبقى الجيل الجديد موصولا بهوية وطنه.


اعترف بالتي هي احسن



أذكر أنه حينما كنت أزور الاردن كنت التقي مع أبناء عائلتي وأبناء الجالية الفلسطينية فأشعر أنني في فلسطين فكل تفصيل الحياة كما هي،  حتى أنه حينما ذهبتُ للمملكة المغربية عام 1998 بهدف الدراسة هناك ، وبدأت رحلة التعارف مع الجالية الفلسطينية، سررتُ بما وجدتُ حيث أنه في المناسبات العامة  مثل زيارات العيد والافطارات الجماعية في رمضان  والافراح والمناسبات السعيدة وغير السعيدة، كنت أرى كبار السن بالثوب الفلسطيني ( حطة وعقال) والنساء ترتدي الثوب الفلسطيني كل امرأة حسب القرية التي هجرت منها ،ولهجتهم كما لو أنهم في فلسطين، حتى أن المأكولات الفلسطينية كانت حاضرة على موائدهم، والكثير من تفاصيل الحياة الفلسطينية حاضرة في سلوكياتهم،  والحديث عن فلسطين لا ينقطع متابعة اخبارها من وسائل الاعلام او من خلال القادمين منها، وهذا الشيء انعكس على الجيل الجديد الذي اكتسب عادات وتقاليد فلسطينية من ابيه وامه، وهذا يؤكد حرص الاسرة الفلسطينية على ممارسة طقوس فلسطينية من باب حفظ الهوية وكل  شيء يُبقي الفلسطيني الكبير ويربط الفلسطيني الصغير بالهوية الفلسطينية من تراث مادي ومعنوي.

دخلت بعض بيوت الجالية الفلسطينية في المغرب والاردن ومصر فوجدت خارطة فلسطين ، وأهم معالمها من أثار وبنايات وكهوف وجبال ، ووجدت صور مدن فلسطين التي هُجروا منها و أواني الفخار والملابس التقليدية ، حتى الاغاني والاناشيد التراثية وجدتها حاضرة في افراحهم ، واغنية يا زريف الطول هي اللحن الاكثر شعبية رغم ان الساحة الغنائية تعج بالأغاني الجديدة، وكانت الدبكة الشعبية طقس مهم في الفعاليات التي تنظمها الجالية الفلسطينية.

حتى في الفعاليات التضامنية مع فلسطين نجد ابناء فلسطين يتوشحون بالكوفية الفلسطينية التي نعتز بها جميعا، وهذا ما كنا نفعله في الفعاليات التي كنا ننظمها في المغرب ضمن فعاليات الاتحاد العام لطلبة فسطين.

ما رأيته في المغرب كان موجودا  في كل البلاد التي يوجد فيها الفلسطيني فقد جاء للمغرب شباب فلسطينيون من لبنان وسوريا والاردن وبلاد غربية فلم نجد صعوبة في التأقلم بخصوص العادات والتقاليد واللهجة ، بل كان الانسجام هو سيد الموقف وهذا دليل على العادات والتقاليد وطقوس المحافظة على الهوية موجود على اجندة  الاسرة الفلسطينية  التي تحرص دوما  على غرس كل ما من شأنه ان يبقى حب فلسطين في قلوب ابناءها لا تغيرهم ظروف الزمان والمكان.

إن حرص اللاجئ الفلسطيني على هويته يؤكد انه لن يسمح لأي احد ان يضيع حقه في العودة الى بلاده،  ولن يمرر ما يقال عنه في صفقة القرن عن توطين اللاجئين في البلاد التي يعيشون فيها كجزء من الصفقة وتحقيق سلام بين العرب واسرائيل.

لكن رغم حرص الفلسطيني على المحافظة على هويته الفلسطينية إلا أن هذا  لا يعني أنه عاش منعزلاً عن أمور المجتمع الذي يعيش فيه، بل إنه اندمج ونسج علاقات واسعة مع ابناء تلك البلاد،  وهذا جزء من مساهمة الفلسطيني في ايصال معاناة فلسطين إلى الجميع وحشد الجميع لصفه.

لقد أكد التاريخ أن الشعبَ الفلسطيني هو شعبٌ حيٌ و نبيلٌ واصيلٌ يحافظ على هويته من الاندثار مهما كانت قوة العواصف وقسوتها، وأن الحبل السري الذي يربط بين الفلسطيني وفلسطين هو اقوى واكبر من أن تقطعه أميال الجغرافيا أو سنوات التاريخ، بل أنه كلما طال التاريخ وزادت الجغرافيا  بعداً وقسوة  يبقى قلب اللاجئ الفلسطيني معلقٌ ببلاده سواء كان ممن ولدوا فيها او ولدوا خارجها.

 

اشترك في قناتي تيوب

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

google-playkhamsatmostaqltradent